من عجائب الدنيا التسعه في مصر المحروسه و التي تضمحل مع الوقت زيها زي غيرها (بسبب خروجنا من تصفيات بلاد العجائب بنتيجه "صفر" أو لأسباب التحلل الطبيعي للحضاره) "وظائف الحكومه" أو "الميري" و التي كانت لزمان طويل من الأمور المدهشه و الساخره التي تميز مصر عن غيرها من المناطق المأهوله من سطح الكوكب
الجيل السابق من المصريين الشرفاء, جيل اﻷباء و الأجداد عاشوا و ماتوا و عندهم إيمان عتيد أن كل شئ ممكن يتغير و إن الأيام دول و مافيش حاجه مضمونه ... ماعدا الوظيفه الحكوميه اليوميه, هي المرادف اﻷول للأستقرارا و هي الموضوع الذي يشغل المجتمع كله لمده 3 ساعات صباحا في اﻹنتاج و 13 ساعه في الرغي عنه على القهاوي البلدي باقي اليوم. و جيلنا المسكين إتربي عل منظر الموظف المحترم أبو بدله صيفي و جرنال و بطيخه و بيجري ورا اﻷوتوبيس ... و أبتزنا المجتمع عاطفيا بشكل بشع بوضعنا في الصراع النفسي بين إجبارنا علي إحترام هذا اﻷفندي "المحترم" الرصين و التعاطف مع هذا المخلوق المسكين و بين عدم إقتناعنا بجداره هذا اإنسان و وضوح حقيقه إنه عاله علي النظام (ده لو كان النظام سليم يعني) و أنه غير منتج ... قد أيه أنا شخصيا اتصدمت صدمه حضاريه لما كبرت ووعيت علي الدنيا و رحت بنفسي "أخلص مصلحه" في مؤسسه حكوميه و أضطررت أن أتعامل مع البرود و الرشوه و الامبالاه و السلبيه و الكسل و عدم الكفاءه الواضحه في سلوك هذه الفئه النادره من الأجناس البشريه
زمان كنت ناقم على هذه الفئه (و ده طبعا كان بيحسسني بالذنب) لأني كنت فاكر أن هذا الوضع سببه نوع معين من الناس هم اللي خلقوا جو الامبالاه و عدم اﻹنتاج و أنهم هم المجرمين المسئولين عن فشل و خسارة القطاع العام و شلل و تخلف المؤسسات الحكوميه ... لكن في أخر كام سنه أدركت أنهم ضحايا و مفعول بهم لما شفت إزاي غباء اﻹداره في القطاع الخاص بيحول أشخاص أذكياء و موهوبين, متحمسين و نفسهم يعملوا فرق إلي موظفين محبطين بيروحوا الشغل و يعدوا الثواني عشان الساعه تيجي 5 و أصبح كل الفرق بينهم و بين من سبقوهم هو أنهم بيقضوا 8 ساعات من عدم اﻹنتاج صباحا و 12 ساعه في "الكافيه" مساءا في النم و السب و اللعن في الشركات و المديرين و أصحاب رأس المال و يناموا 4 ساعات فقط متكلين على رفاهيه "نسكافيه الصباح" في القطاع الخاص ... هذا الظاهره المدمره موجوده في كل مكان و ينفذها أصحاب المال و المديرين الكبار بتصميم و فعاليه و كأنهم بينفذوا برنامج "تدمير إقتصادي" مماثل لبرنامج الحكومه المصونه في "خصخصه القطاع العام" و لكن هذا البرنامج دوره "حوكمة القطاع الخاص", حقيقه غريبه و غير منطقيه, ليه الناس تضر مالها الخاص و تعقم اﻹبداع و اﻹنتاج في مؤسسات مملوكه لشخصهم؟
لحسن حظي بأشتغل مع عملاء و شركات أوروبيه في ال 18 شهر السابقين (بعد ثلاث سنوات و نصف مع الخليج ), أتفاجأت بالطريقه اللي بيحسبوا بيها إنتاجيه الفرد. بالنسبه لهم إضافه مهندس واحد للفريق حدث كبير لازم يسبب في زيادة أداء الفريق بطريقه واضحه, شخص واحد = الكثير من الإنتاج.
السنوات السابقه كمان علمتني حقيقه مهمه و هي أن فريق العمل المتحمس الملتزم المحترف اللي بيحس بالجوده و بيسعي لعمل فرق, اللي عنده إحساس كأنه بيشتغل في ملكه (طبعا قصدي من ناحيه الأمانه و التفاني مش من ناحيه أنه بيجي الشغل بعد الساعه 12!!) ممكن ينجح و ينتج أكتر بكتير من فريق مشابه في العدد, أعلي في المهاره و الخبره لكنه "متحوكم" و مطفي , مش طايق نفسه
خليني أذكر بعض التقنيات و الديناميكيات التي تؤدي لخطه "حوكمه" ناجحه و بيزنس فاشل بإذن الله:
- عدم التقدير و توصيل إحساس للشخض المميز أو المتفاني أن النظام عقيم و مافيهوش طرق نظاميه لتقدير و مكافأه التميز فياريت يكمل يموت نفسه في الشغل بس كل النتائج هي حق مكتسب للشركه و لا يجب أن يتوقع عنه مكافأه أو تقدير
- اﻷوامر الدكتاتوريه و القوانين غير المنطقيه, مثلا زي "مافيش أجازات لأخر السنه" أو "مافيش حاجه إسمها مكافأه وقت إضافي" مع الحرص علي توصيل معلومه ضمنيه أن القانون الغبي يمكن عمل إستثنائات فيه بإضافه جملة "لكن يعني عمر حد منكم طلب أجازه إستثنائيه و قلناله لأ؟" لقانون اﻷجازات السابق ذكره. و بكده نكون (1) لغينا حق الناس الشرعي في اﻷجازه (2) حسسناهم أنها جميل من الشركه أنهم إستثنائيا يرتاحوا و (3) فتحنا باب اﻹستثناء و المحسوبيات و التفضيل ... 3 إنجازات مدمره
- تجاهل أفكار و إقتراحات الموظفين بسبب ضعف شخصية صاحب السلطه و شعوره بالتهديد من كل المخلوقات المفكره المتكلمه أو بسبب أن صاحب الفكره إبن سوسو الزعلانه أو البطه السوده
- جميع الأفكار أو الإقتراحات التي تؤثر علي مسيره الشركه و تزيد من فرص النجاح يجب أن تأتي من صاحب السلطه أو صاحب رأس المال ... و لو صاحب السلطه ماعندوش أفكار, لازم ماحدش غيره يطلع بأفكار و إلا يعتبر ذلك إهانه مباشره لصاحب السلطه و أتهام صريح له بالغباء
- دخول الشركه في مزاد علي التعيينات الجديده و حده المنافسه في سوق العمل علي تعيين الموظفين الكفء و تحقيق السيوله الماديه اللازمه لذلك التوسع بقصقصه مزايا الموجودين و تجاهل مكافأتهم و زياداتهم المستحقه تحت شعار "ماهو موجود جوه خلاص, هيروح فين؟" و أعتبار وجودهم و مجهودهم أمر مسلّم به
- السلبيه بكل صورها, فمثلا ترد السلطه على تعليق شخص مجتهد بخصوص عدم جوده أمر ما و أنه بيتعمل غلط برد من نوع "و أنت مالك" ... صدقوني هتبقى أخر مره يحذركم من الطوفان
- عدم وجود "قياده" حقيقيه أما بسبب غيابها و إنشغالها بصرف الأرباح يمين و شمال أو بسبب ضعف شخصية السلطه و غياب موهبة و علم القياده
- تضارب الرؤى و الأهداف, يوم يمين و يوم شمال أو التصريح لمدير ما أن سياسة الشركه هي التوسع و التصريح لأخر أن سياسة الشركه هي تقليل النفقات و صرف العماله إنطلاقا من منطق "فرق .. تسد" ... و هو في رأيي الخطه المبتذله التي يتبعها القائد الضعيف خوفا من الأنداد
- دايما يلقي اللوم لحظة وقوع أي خطأ علي الشخص الي بيشتغل, بدون أخذ الدوافع أو الحكمه وراء ما فعل في اﻹعتبار و كأن السلطه معصومه من الخطأ لكن من "يفعل" هو مصدر جميع الأخطاء. إذا أتت الرياح بما لا تشتهي السفن, إستدعي اللي بيشتغل و تأكد من أنك تجرح كرامته و أنت بتلومه علي كل حاجه حتي علي الكوارث العالميه و الطبيعيه و تساقط النيازك الفضائيه و بذلك نشجع الموظفين على تطبيق الحكمه الأذليه الحكوميه "تشتغل كتير, تغلط كتير, تتجازي كتير ... ماتشتغلش خالص, ماتغلطش خالص, ماتتجازاش خالص" ... حِكَم
- خلط "اﻹحساس بالمسئوليه" أو "روح صاحب العمل" بالتسلق و الصراع علي السلطه و وضع الشخص الذي يعمل بجد و أمانه كأنها شركته في قالب "الطماع المتأمر" أو"الخائن العميل" الساعي للإستيلاء على الحكم و الضغط عليه حتي يكفر و يصرخ: "خلاص ولعوا في روحكم, ماهي مش شركة أبويا" ... برافو أهو أعترف على نفسه و كمان تاب
- توزيع المسئوليات و سحبها بطريقه عشوائيه أو متعجله, و عدم ترك وقت كافي لتقييم نتائج عمل الشخص في إطار مسئوليته أو حتي إعطاءه فرصة رؤيه ثمر تعبه (إحباط صعب وصفه بكلام) ... بالضبط زي مستشفي الولاده التي تعدم جميع الأجنه كخطه أكيده للقضاء علي اﻷجنه المشوهه
- تذكير الناس طول الوقت بأن السلطه هي ولي نعمتهم, اللي بيأكل أولادهم و يدفع فواتيرهم مع اﻹشاره أن مراتباتهم كبيره (زي ما تدي شحات 10 جنيه بس و تمدله إيدك عشان يبوسها) و كأن الناس المجتهده دي مش هم اللي بيدفعوا فواتير الفنادق و إشتراك نوادي الجولف و دفعات السيارات البورش المملوكه للسلطه
- الوعود الغير محققه, ظن رأس المال أنه ذكي لما يعلق "الجذره" للموظفين ... اللي ماخدش باله منه أنهم لو كانوا فعلا بهائم بينخدعوا بالجذره فهو رايح في داهيه و لو ماكانوش و فاهمين لعبته الساذجه فهو برضو رايح في داهيه
- عدم الشفافيه, توكيل موظف بعمل و توكيل زميله بمراقبته مع توكيل موظف من قسم أخر بنفس العمل من باب اﻹحتياط
- التهديد ب"قطع العيش" ... التحفيذ بالخوف بصفه عامه يضمن خلق "سجن" أو "إصلاحيه" منضبطه وعمره ماينتج أفكار مبدعه أو حلول خلاقه
- أول ما الشركه تتزنق ... تقلع ... أنسي المعايير و القيم و الرؤيا و الخطط, المهم نحقق فلوس أو نزود الحجم مثلا حتى لو عيننا أي واحد يخبط علي الباب عشان يسأل "خالتي عندكم؟"
- تطبيق المساواه في الثواب و العقاب, لو في مشكله عاتب و عاقب الكل من منطلق "اﻹرهاب" و "إضرب المربوط يخاف السايب" أهي فرصه كلهم يتلموا!!! و لو في مكافأه وزعها علي الكل (و نصيب الفرد يبقي ملاليم طبعا) عشان مانعملش مشاكل, مش مهم بأه مين اللي إشتغل و مين اللي ماشتغلش, إحنا لسه عنقعد نتابع و نقيم
- لو السلطه في "موود" وحش, كل الموظفين لازم يستحملوا نفسنته و مشاعره الأنثويه و تصرفاته الغبيه تحت شعار "إدارة المدير" و الكلام الكبير و لو نفسه يطلع ضيقه علي حد, يسأله "عملت كذا؟" و لو جاب ب "نعم" يلومه على تهوره و تسرعه و لو جاوب ب "لا" يلومه علي بطأه و كسله و لو إمتنع عن الإجابه يلومه علي سلوكه الغير محترف و الغير متعاون و لو ماراحلوش أساسا يلومه علي عدم خضوعه للسلطه و تمرده و قتله لروح الفريق ... و كأن الموظفين لازم يستحملوا الكام يوم إياهم في الشهر اللي فيهم السلطه (كلمه مؤنثه في اللغه العربيه) بتبقى مقريفه و عصبيه و كأنهم تتابع الليل و النهار أو تغيير الفصول ... ماباليد حيله فيهم
علي غرار البرامج التلفزيونيه علي القنوات الفضائيه و التي تتبع كل مشهد يحتوي علي مخاطره يقوم بها فريق محترفين بعباره "لا تجرب هذا في المنزل" ... أنا بأخلى مسئوليتي من توابع تجربه الخطوات المكتوبه أعلاه في بيئه العمل ... أو جربها علي مسئوليتك
السؤال اللي محيرني ... هل العامل البشري فعلا مالوش ذنب و أن "الحوكمه" هي سبب فشل القطاع الخاص و إنهيار القطاع العام ... يعني تخيل لو عملنا تجربه ميدانيه و بعتنا بعثة مديرين مصريين لشركة "جوجل" و طبقوا الخطه علي الناس هناك. هل النتيجه هتكون أنك تدخل عبارة البحث في محرك جوجل البحثي و تضغط "إبحث" فيظهر لك علي الشاشه بالبنط العريض
فوت علينا بكره
و عجبي